فتيات جميلات ، يرتدين ملابس خفيفة ، تجد البراءة والجمال الطبيعي على وجوههن ، كما أنهن لطاف جدا ، يشاغلنك طوال الطريق للتحدث معك ، وأطفال أبرياء ، يلعبون حولك في ضحك وسعادة ليس لها مثيل ، وشيوخ يبتسمون لك في صبر، وبيوت بسيطة متجاورة ، ربما تعتقد في أول وهلة عند قراءة هذا ، أنه مشهد من قصة خيالية تتحدث عن أميرة جميلة ، أو عن فارس مغوار، لا تتخيل أنك يمكن أن تجد هذا المشهد في نجع فقير في ضواحي مدينه الأسكندرية ، يسمى "نجع العرب" ، فتيات جميلات في سن الخامسة عشر تقريبا يخفي الفقر والضيق هذا الجمال الساحر و تجد في ملامحهن الشقاء والتعب ، يرتدين ملابس خفيفة قديمة بالية ، ويغطين رؤسهن بإيشاربات خفيفة تغطي ما فعل الزمن بشعورهن السوداء ، الناعمة كالحرير ، التي أصبحت كالصوف الخشن من آثار الجوع و الفقر ، يتخللها التراب الأصفر فيعطيها لونا باهتا كلون الزرع اليابس ، لطاف جدا ، لكن الهم يمحي البسمة من على وجوههن و يقتل بداخلهن روح الفكاهة ، يشاغلنك طوال الطريق بطلبهن الملح للمال ، ويستعطفنك بأقل الكلمات بحثا عن جنيها واحدا ينقذهن من الجوع الذي قارب على دفنهن أحياء ، و أطفال أبرياء يتخيلونك سائح غريب عن البلاد ، فيرقصون فرحا عند رؤيتك ، يلعبون حولك لعلك تعطف عليهم وتعطيهم شيئا كمال أو أكل ، أو حتى تذكار من المكان الغريب الذي أتيت منه ، وشيوخ بسطاء يبتسمون لك في صبر ، يبحثون في القمامة عن قطعة خبز باقية , متعففين , لا يسألوك مالا أو طعاما، وبيوت بسيطة بناها أهلها مصنوعة من خشب وطوب , ليس بها كهرباء أو ماء .
ذكرني هذا المشهد بالفاروق عمر عندما قال " ويلك يا عمر لو ان بغلة تعثرت في العراق لسئل عنها عمر لما لم تمهد لها الطريق" ، فماذا عن هؤلاء الذين أصبحوا كالدواب يأكلون ليعيشوا ، لا يعرفون طعم الحياة ، ولا ما يجري فيها ، من سيسأل عنهم يوم القيامة ؟ برقبة من ؟
هل يكفيهم شنطة رمضان المليئة بالسكر والزيت و المكرونة والأرز ؟؟! هل تكفيهم ملابسنا القديمة البالية ؟! هل تكفيهم ظروف الخمسين جنيها ؟؟! هل هذا حقا ما يستحقونه ؟
ليس الغرض من هذا المقال استعطاف قارئه ، أو تذكيرك بقول الحمد لله على ما انعم الله عليك ، لكني أردت فقط أن أذكرك في حق هؤلاء الأشخاص في الحياة ، كما أننا لا يجب أن نحيد عن ما نزلنا من أجله في شوارع البلاد.
"العدالة الإجتماعية" وهي حلم كل من شارك في ثورة مصر المباركة ، والآن نجد من يئس من محاكمة مبارك ، و يدعي بذلك فشل الثورة ، وأنا هنا لأذكره أننا لم نقم بالثورة لنحاكم مبارك – وإن كان أمرا ضروريا- ، لكن حقوق هؤلاء الأشخاص في العيشة الكريمة و الرعاية الصحية كان دافعا أقوى للحرص على نجاح الثورة .
وعلينا أن نؤمن أن حقوق هؤلاء الأشخاص ليست مطالبا ، و أن يكون هذا دافعا لتحقيق هذه الحقوق المشروعة ، وننسى قليلا دوافع الثأر وخلافات الرأي ، والثورة ليست هي الحلم ، إنما وسيلة لتحقيق أحلاما لطالما رفعت أيدينا لله بها ، ودمعت أعيننا من أجلها ، وها هو يستجيب لنا ثم يأتي دورنا لنعمل لها و نتحد لنقضي على الفلول الباقية وننسى ما أطلقنا عليها علمانية وليبرالية وإسلامية ونركز كل جهدنا على "مصرية".