الخميس، 26 يناير 2012

صنع العدالة الإجتماعية

وهذا التمييز الواضح ترك في نفوس المصريين شيئا من المرض الذي جعلهم يتركون-لا إراديا- أهم مبادىء الأديان السماوية التي تدعوا إلى الرحمة و الإنسانية في التعامل مع الفقراء ، و أصبح الفقير منبوذا بشكل ملاحظ بين افراد المجتمع ، و تأصلت في نفوسنا رغبة الفقير دائما في الإستغلال أو الطمع فأصبحنا نستنكر بعض حقوقه.

نستطيع أن نقول  أن العدالة الإجتماعية كانت سببا وهدفا للثورة في آن واحد ، فالفساد السياسي الذي وصلت إليه حكومات مبارك ، ساعد  في زيادة الفجوة بين الفقراء و الأغنياء من خلال إنضمام الطبقة المتوسطة إلى صفوف لطبقة لفقيرة بسبب تدني أجور الموظفين حتى أصبحنا نسمع أن هناك من الأسر التي أصبحت تعيش على 250 جنيها شهريا وفردا يستمتع بأموال تعجز الآلات الحديثة عن عدها  ! 

و يجب أن نصدق حقيقة وجود فقراء في المجتمع ، لكن فقراء بالمعنى الإنساني الذي نفهه ، أي لا ينقصهم إلا كماليات الحياة الغير ضرورية التي يتفاخر بها الأغنياء لا أن يكونوا في حاجة إلى أبسط حقوق الإنسان الأساسية كالمأكل و الملبس و المأوى .
لكننا إذا نظرنا إلى حال فقراء مصر وما غلب عليهم من غلب و شقاء ، سوف نجد أن حالهم قد فقد أقل معاني الإنسانية و الكرامة . وقد يعتقد البعض أن الفقراء في حاجة إلى الأموال لإسترداد ما فقدوه من كرامة و فهم لمعنى العدالة الإجتماعية .
لكن العدالة الإجتماعية لن تتحقق إلا بوعي فريقي الأغنياء و الفقراء بجدية حقوق الإنسان التي يجب ان يحصل عليها الفقير ، و من هنا نستطيع أن نجد أن مبدأ المواطنة لا يجب أن يشار إليه فقط بين المواطنين المختلفة عقائدهم أو اجناسهم  ، و إنما هو ضروريا أيضا لفهم معنى العدالة الإجتماعية بين الفقراء والأغنياء  .
فالمواطنة تعني أن يتساوى كل المواطنين في الحقوق و الواجبات ،و مع نظرة دقيقة في المجتمع المصري أيام مبارك سوف نجد أن التمييز الحقيقي لم يكن بين مسلم و مسيحي ، إنما بين فقير وغني.

وهذا التمييز الواضح ترك في نفوس المصريين شيئا من المرض الذي جعلهم يتركون-لا إراديا- أهم مبادىء الأديان السماوية التي تدعوا إلى الرحمة و الإنسانية في التعامل مع الفقراء ، و أصبح الفقير منبوذا بشكل ملاحظ بين افراد المجتمع ، و تأصلت في نفوسنا رغبة الفقير دائما في الإستغلال أو الطمع فأصبحنا نستنكر بعض حقوقه.

وما أسهل أن تلاحظ الفرق في التعامل بين الفقير و الغني في المجتمعات المتقدمة و النامية ، في المجتمعات المتقدمة لا يشعر كلاهما بوجود شيء يختلف في الآخر عنه ، فالفقير لا يعيبه فقره ، و الغني لا تنزهه أمواله . 
وإن كان تساويهما في الحقوق و الواجبات ووعي كل منهما أن كلاهما ذو شأنا في المجتمع سببا أساسيا في ذلك ، إلا أن سلامة النفس الإنسانية  التي يتمتع بها كلاهما ، و النظرة السوية التي ينظر بها كلاهما إلى الآخر عاملان  لا يجب إغفالهما.

و من المؤسف أن نعيش في مجتمع دينه الأساسي يهدف إلى حسن المعاملة الإنسانية  و يرسي المبادئ السامية  في التعامل بين الأفراد، و تكون نظرتنا للفقير فيها شيئا من التحقير و الكبر ، لنبدأ معا في صنع العدالة الإجتماعية بشيء من تغيير أفكارنا و تصرفاتنا التي ابتلانا بها لعهد البائد   ، للأننا نعي عاجلا ام آجلا أنه سيأتي اليوم لتفرض هي نفسها ، فليكن ذلك نوع من التدريب لكل من ظن يوما من الأيام أنه يزيد الفقير بشيء .



الثلاثاء، 24 يناير 2012

المصالح السياسية لا تصنع ثورات


المشكلة تتلخص في سحب المطالب السياسية من على طاولتها والزج بها بين مطالب الشعب في الميدان ، وهي مشكلة بلا نهاية ، فلن يعي من يدافع عن حق شعبي ذلك ولن يتوقف الآخر عن إستغلال ما به من عاطفة ، ولن يتوقفوا عن صنع المطالب السياسية ، و بإخضاعنا لها ، فإننا نمهد الطريق لسلطة ديكتاتورية جديدة تظهر كأنها إرداة شعبية لكنها مصطنعة.


عيش ...حرية...عدالة إجتماعية ! كان هذا ما هتفنا به في 25 يناير 2011 وكان لابد حينها من رحيل مبارك و نظامه الفاسد لتنفيذ تلك المطالب . ونحن الآن 24 يناير 2012 بعد مرور عام كامل على الثورة ، منا من ينتوي الإحتفال بما أنعم الله علينا و منا من يجحد هذه النعمه و يستنكرها ! لكن كلا الطرفين يؤمن بأن الثورة لم تحقق أهدافها حتى الآن !
و أنا في الحقيقة لدي إستفسار غريب ، هو حتى الآن ده الي هو "سنة" صح ! 
يعني ماذا كنت تتوقع أن يحدث في سنة ! ومش أي سنة ! سنة كشفت فيها مدى الخلافات بين التيارات السياسية المختلفة ! 
سنة عرف فيها الأقلية حجمهم الحقيقي ! سنة التحقنا خلالها بسنة أولى ديمقراطية فتعلمنا مجرد قواعد بسيطة  بعد أن كنا لا نفقه شيئا عنها ! سنة فجرنا فيها آمالنا و طموحاتنا بعد أن كنا قد وأدناها حية ! سنة تمت فيها انتخابات ظهرت فيها إرادتنا الحرة ! سنة تكون فيها مجلس شعب مصري لأول مرة يمثلنا!
كنت لأتوقع الكثير من سلطة منتخبة لا من مجلس عسكري مؤقت إرتضت-أغلبيتنا- أن يحكمنا مؤقتنا لحين تسليم السلطة للمدنيين.
أنا شخصيا أعتبر كل هذا مما حققته الثورة ، ولن تسمح لي أخلاقي أن أجحد هذه النعمة و أدعي إنعدام فضلها !
لا أظن أن شعورا كهذا قد يكون متأثرا بالإتجاه السياسي الذي أحمله على قدر تأثره بالإحساس بالإنتماء إلى هذا الوطن و الرغبة في بنائه ، قد نجد ان كثيرا مما أردناه أن يتحقق لم يتحقق كمحاكمة مبارك و حق الشهداء والمصابين و غيرها من المطالب التي لا نستطيع تهميشها على الإطلاق ، لكن أن نطالب بها من العكسر !! أو من الحكومة المعينة من قبل العسكر!! ثم نطالب بإسقاط حكم العسكر !! 

نستطيع ان نستنبط تناقض واضح في ما نزلنا من أجله يوم في 2011 وما دعوا من اجله في أي مليونية آخرى بعد فبراير و ما  يدعون من أجله في 2012 ، وهو للأسف محاولة خلط المصالح السياسية مع المطالبات الشعبية  بمعنى أنه منهم من كان يطالب ببقاء العسكر سنة و سنتين وثلاثة حتى تجهز الأحزاب في تكوين نفسها إستعدادا للبرلمان (مصلحة سياسية) والآن بعد ان ذبل المطلب و جاء الإسلاميون كأغلبية جاءوا ليطالبوا بسقوط حكم العسكر  ! 
وكأن هناك من ينادي ببقاء العسكر ! أو كأنهم يحاولون تلفيق تهمة (الرغبة في حكم العسكر ) في الإسلاميين ، ليثبتوا للشعب أن إختيارهم في البرلمان لم يكن الأمثل ! 

المشكلة تتلخص في سحب المطالب السياسية من على طاولتها والزج بها بين مطالب الشعب في الميدان ، وهي مشكلة بلا نهاية ، فلن يعي من يدافع عن حق شعبي ذلك ولن يتوقف الآخر عن إستغلال ما به من عاطفة ، ولن يتوقفوا عن صنع المطالب السياسية ، و بإخضاعنا لها ، فإننا نمهد الطريق لسلطة ديكتاتورية جديدة تظهر كأنها إرداة شعبية لكنها مصطنعة.

لا أرجو من هذه القوى إلا إسكتمال ما هي عليه لتحميل الشعب أكثر بالكفر بها ، مع ترك الفرصة لمن يعمل حقا لصالح هذا الوطن ، وإن كانوا يثيرون شفقتي أحيانا حينما أجدهم يتحدثون عن الثورة و كأنها غاية ، فإن كانت حقا هي غايتهم ، فغايتنا أسمى و أرفع .
غايتنا هي بناء دولة القانون و العدل ، الدولة التي يستظل بها مواطنوها في جو من الحرية و الراحة و التي وجد الشعب في الثورة وسيلته لتحقيقها بعد ان ذاق المرار .

الخميس، 12 يناير 2012

الصورة شبه الكاملة

كتب في 20 سبتمبر 2011 

أحاول أن أتخيل الصورة شبه كاملة بعد وصول الإسلامييين لحكم مصر ، إذا تخيلت هذه الصورة وأنا مصرية ذات توجه إسلامي ، مالي إلا أن أرى حدائق تملأ البلاد ، نعيم ينغمس فيه المصريون ، زي إسلامي يسود الشارع ، نهاية لمظاهر الكفر والإلحاد من إعلانات في الشوارع أو أزياء في المحلات ، أما عن الناحية السياسية فلي أن أرى عداوة إسرائيل ، إقتراب تحرير القدس ، إنهيار امريكا !!! 
على الجانب الآخر ، أتخيل الصورة من وجهة نظر علمانية ، لا مكان للنساء في أماكن العمل ، تحريم لكل ما هو ترفيهي ، فرض الحجاب وإن لم يكن النقاب كزي رسمي، الهجرة الكثيفة للمسيحيين ، قطع علاقاتنا بمعظم الدول الصناعية المسيحية ، توطيد العلاقات بين مصر وإيران  ومصر وحماس !!!

وإن كنت أبالغ بعض الشئ في كلا التصورين ، إلا أني لا أنكر تماما على العلمانيين خوفهم إذا كان هذا يمثل جزء من تصورهم ، ولا ألوم هجومهم الشديد على الفكر الإسلامي ووصوله للحكم في مصر ، و أتصور بقاء هذا الهجوم حتى إذا وصل الإسلاميون للحكم مهما كانت إنجازاتهم.

وعن النموذج التركي الذي يحاول كل من الطرفين إنسابه لنفسه و التدليل على ذلك ببقاء علمانية الدولة او توجه الحكومة الإسلامي ، ولا ينظر كل منهما إلى السبب الحقيقي وراء نجاح هذا النظام على قدر النظر إلى الأفكار التي لا حول لها ولاقوة ، ويتجاهل إصلاحات الحكومة التركية العملية وينطر فقط إلى مواقفها من امريكا وإسرائيل ، رغم أن هذه المواقف لم تتخذها تركيا ضد إسرائيل من الباب للطاء ، وهي مجرد ردود افعال منطقية للعدوان الإسرائيلي الذي يتعدى على حقوق الدولة ، فلا تعتبر تركيا بذلك بطلا يقف في وجه العدو ، لكنها ترد على أفعال إسرائيل التي تنتهك حقوق دولتها وتحاول حفظ كرامة مواطنيها يعني بالعربي "مجبر اخاك لا بطل" .

ليس هذا تقليل من شان الموقف التركي لكنه مجرد توضيحا لكل من يعتفد ان مواقف الحكومة التركية تنبع من فكرها الإسلامي البحتي الذي يعادي سرطان الشرق إسرائيل وبعبع الغرب - أمريكا- و أن تركيا بذلك تحارب من أجل الإسلام .

وإذا تخيلنا وصول الإسلاميين للحكم ، فلنا أن نتخيل طريقة تعاملهم مع التيارات الأخرى في مصر :
1- تجاهلا تاما ، وإستهزاءا بقواهم وقدراتهم في التأثير في الناس.
2-تعاون نسبي بين السلطة الإسلامية والقوى الآخرى يهدف إلى إصلاحات إجتماعية و إقتصادية بعيدا عن خلافات الرأي.
3-تشويها لأفكار القوى الأخرى ,، و إستغلال السلطة في تنفير الناس من هذه القوى والأفكار.

هكذا أتخيل الصورة الكاملة بإحدى الثلاث نقاط وإن كنت أفضل الإختيار الثاني في تعامل أي حكومة مع خصمها ، إن كانت تبحث عن المصلحة العليا للبلاد بعيدا عن الأفكار او الآراء.

الفتاة وكاميليا" وجهان لعملة واحدة"

كتبت هذا المقال أثناء أحداث مجلس الوزراء ، لكني تعمتد ألا أنشره لتعاطفي الشديد مع شخص الفتاة التي تعرت في التحرير.

تعاطفت شديدا مع الفتاة التي عراها العساكر ، لكن هذا التعاطف لم يمنعي من التفكير في الموقف دون عاطفة تؤثر على رأيي ، ما حدث للفتاة هو أبشع ما يمكن أن يحدث لفتاة حقا ، وهو أبشع ما يحدث لوطن أيضا.

لكني تذكرت حينها حادثة "كاميليا" التي فجرها السلفيون وكيف تم إختزال قضية "دين" في قضية "فرد" ، و تعاطف معها السلفيون بشدة و إعتبروا الدفاع عنها دفاعا عن الدين وحرية العقيدة ، وكما رأيت التشدد الواضح في عيون من تشدد لهذه "الكاميليا" ، رأيت نفس التشدد في من تشدد لهذه "الفتاة".

وقبل أن تسألني في نفسك "كان ده برضه حيبقى موقفك لو كان ده حصلك ولا حصل لأختك ؟؟" أستطيع أن أرد عليك بكل صراحة "نعم"  أنا لا انكر تماما بشاعة ما تعرضت له الفتاة , و كيف انتهك عرضها أكثر من مرة عندما تحدث عنها خنازير الإعلام بطريقة غير لا ئقة ، و أدافع عن حقها في ان ترتدي ما تريد و حتى لو كانت سبت الجنود أو فعلت ما فعلت , مازال لدي العديد من الأسباب لكي أستمر في الدفاع عنها .

لكن ما لا أقدر عليه هو إختزال قضيه "الوطن" في قضية "الفتاة" كما فعل السلفيون سابقا ، بالضبط ما فلعه البعض حين نادى للنزول من أجل التعاطف مع "الفتاة" .

سواء "الفتاة" أو "كاميليا" ، لكلاهن حقا لن يأتي به إلا القضاء ، سواء بمقاضاة العساكر الذين أرتكبو هذه الجريمة الشنعاء أو ترك الحرية لكاميليا لكي تختار دينها .

وسواء كان تعاطفك مع أحداهن أكثر من الاخرى - على حسب تقديرك لأولويات الأمور- فأنا شخصيا تعاطفت مع الفتاة أكثر ، إلا أن التظاهر من أجلهن -على السواء- وحرق الكنائس و سد الشوارع لن يستعيد حقهن ، لكن ربما يزيد من أمثالهن الضعف ، وتتحول قضية الوطن إلى قضية ثأر ونحيد عن مسار الإصلاح الذي أتاحته لنا الثورة .

ولو أنت ممن تعاطف أكثر مع الفتاة ، ومازلت تعتقد أن التظاهر والإشتباك مع الجيش واجب لإرجاع حقها ، فلا تلوم على السلفيين حرق الكنائس وهدمها لإرجاع حق "كاميليا" ، فكل حسب أولوياته ! 
ولو كنت سلفيا أو متعاطفا أكثر مع كاميليا ، وترى أنه واجب تفتيش الكنائس وهدمها وحرقها لإرجاع حقها ، فلا تلوم على الإشتراكيين إنفعالهم ودعواتهم للتظاهر من أجل الفتاة ، فكل حسب أولوياته! 

و كدعوة إلى جميع التيارات ، لتكن أولوية الوطن ما نسعى إليه و ننحي قليلا عصبياتنا جانبا و نأمل عهد جديد اكثر حفاظا على حقوق الأفراد في ظل برلمان الثورة القادم في 23 يناير لنبدأ في جني ثمار الثورة بعد مرور عاما كاملا كان من أصعب الأعوام التي مرت على مصر ، وشهدنا فيه دروسا عن الديمقراطية من أصعب ما يمكن أن نتعلم منها.